في ظل السعي نحو تنمية المجتمعات وتطويرها، يمثل التعليم العالي أحد الركائز الأساسية لبناء الأجيال القادرة على مواجهة تحديات المستقبل. ومع ذلك، أصبح حلم الحصول على التعليم الجامعي عصياً على كثير من الشباب بسبب سياسات القبول المشددة التي تضع حواجز تعجيزية أمامهم، حيث تشترط العديد من الجامعات معدلات أكاديمية مرتفعة أو اجتياز اختبارات معيارية صعبة كشرط أساسي للقبول، دون مراعاة لمدى حاجة التخصص لهذه الشروط والفروقات الفردية بين الطلاب أو ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. مثل هذا النهج لا يعكس بالضرورة قدرات الطالب الفعلية أو إمكانياته الإبداعية، بل يُسهم في تهميش شرائح واسعة من المجتمع ويزيد من الفجوة بين من يستطيعون الحصول على التعليم الجامعي ومن يُحرمون منه.
إن مثل هذه السياسات التي تؤدي إلى حرمان الشباب من استكمال تعليمهم الجامعي لا ينعكس فقط على الأفراد أنفسهم، بل يحمل عواقب وخيمة على المجتمع بأسره. إذ يؤدي إلى نقص في الكوادر المؤهلة، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم التفاوت الطبقي، والشعور بتدني التقدير للذات، والتعليم هو الوسيلة الأهم لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وسياسات القبول الصارمة تحول دون تحقيق هذه الأهداف.
ولمعالجة هذا التحدي، ينبغي على صانعي السياسات والجامعات تبني نهج أكثر مرونة وإنسانية، يتيح فرصاً أكبر للشباب لإثبات قدراتهم والانخراط في مسارات التعليم العالي، مثل إعادة صياغة معايير القبول بحيث تشمل تقييم مهارات الطالب وشغفه بالمجال بدلاً من الاعتماد الكلي على النتائج الأكاديمية. وتعزيز البرامج التحضيرية لتأهيل الطلاب الذين يحتاجون إلى تحسين بعض مهاراتهم قبل الانخراط في الدراسة الجامعية. وزيادة المنح الدراسية خاصةً للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود لتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. وإقامة شراكات مع المدارس لضمان إعداد الطلاب منذ المراحل المبكرة للتكيف مع متطلبات التعليم الجامعي.
وبجانب تسهيل القبول، تحتاج المجتمعات إلى تغيير ثقافتها تجاه التعليم العالي، بحيث يصبح التعلم هدفاً أساسياً للجميع. ويمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعوية تُبرز أهمية التعليم في تحسين مستوى الحياة والارتقاء بالمجتمع، وتوفير بيئة تعليمية جاذبة تدعم الطالب وتشجعه على الإبداع والتميز.
إن فتح أبواب الجامعات أمام الجميع لا يعني التهاون في الجودة، بل هو استثمار في العقول التي ستقود التنمية وتبني المستقبل. وعلى الجامعات أن تدرك أن دورها لا يقتصر على التعليم فقط، بل يشمل احتواء الطاقات وإطلاق إمكانيات الأفراد، لأن نجاح المجتمعات يبدأ من مقاعد الدراسة.
Saturday, 25 January 2025
القبول في الجامعات: حلم التعليم الذي بات بعيد المنال
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
الاعتدال في الرأي… طريق إلى الجماهيرية الرقمية
في عصر السوشيال ميديا، حيث يتنافس الأفراد والمؤسسات على كسب أكبر عدد من المتابعين، يبرز سؤال مهم: لماذا يحظى أصحاب الآراء المعتدلة والإيجابي...
-
في الثالث من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ، وهو مناسبة تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الأشخاص ذ...
-
في عصرنا الحالي، أصبح الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقت مضى، بفضل التكنولوجيا المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت لكل فرد مساحته ا...
-
إنها من أوليات القواعد التي درسناها حين كنا أطفالاً في المراحل الابتدائية، قاعدة بسيطة، كنا سعداء لأننا عرفناها وطبقناها في حساباتنا الصغيرة...
No comments:
Post a Comment