Showing posts with label مشاهد. Show all posts
Showing posts with label مشاهد. Show all posts

Wednesday, 3 September 2025

الاعتدال في الرأي… طريق إلى الجماهيرية الرقمية

في عصر السوشيال ميديا، حيث يتنافس الأفراد والمؤسسات على كسب أكبر عدد من المتابعين، يبرز سؤال مهم: لماذا يحظى أصحاب الآراء المعتدلة والإيجابية بجمهور واسع، بينما يتراجع حضور الحسابات ذات الخطاب المتطرف أو العدواني؟ 

الاعتدال يجذب القلوب والعقول

المتابع العادي يبحث غالبًا عن محتوى يضيف له قيمة، سواء من خلال معلومة مفيدة، أو طرح متوازن يبعث على الاطمئنان، أو حتى جرعة أمل في يوم مزدحم بالضغوط. الرأي المعتدل ينجح في مخاطبة شريحة أوسع من الناس، لأنه لا يستفز طرفًا ولا يثير عداوة طرف آخر. وبهذا يصبح الحساب مساحة آمنة يجد فيها المتابع نفسه دون أن يشعر بالانتماء إلى معسكر ضد آخر. 

التطرف… دائرة ضيقة وسريعة الانطفاء

على النقيض، الحسابات التي تبني حضورها على خطاب متشدد – دينيًا أو اجتماعيًا أو أيديولوجيًا – تجد نفسها محصورة في دائرة ضيقة من المؤيدين. هذا النوع من المحتوى يجذب المتابع بدافع الفضول أو الانفعال، لكنه سرعان ما يرهقه بسبب النبرة العدوانية والسلبية المستمرة. كثير من المتابعين يفضلون الانسحاب بعد فترة، لأنهم يبحثون عن بيئة تفاعلية صحية لا عن ساحة صراع. 

خوارزميات المنصات ليست محايدة تمامًا

لا يمكن إغفال أن المنصات الرقمية نفسها تلعب دورًا في تعزيز هذا الاتجاه. فالمحتوى المعتدل غالبًا ما يُعتبر أكثر أمانًا للعرض وأقل عرضة للشكاوى أو البلاغات. لذا تدفع به الخوارزميات بشكل أوسع، بعكس المحتوى المتطرف الذي قد يتم تقييده أو حتى حجبه في بعض الحالات. 

استثناءات محدودة

صحيح أن بعض الحسابات المتشددة تنجح أحيانًا في جمع أعداد كبيرة من المتابعين، لكن ذلك غالبًا يرتبط بعوامل خارجية مثل دعم سياسي أو استغلال قضية جدلية. ومع ذلك، فإن هذا البريق لا يدوم طويلًا، لأن أساسه ليس قيمة حقيقية بقدر ما هو إثارة وقتية. 

الخلاصة

الجماهيرية الرقمية لا تُبنى على الصراخ ولا على التطرف، بل على القدرة على خلق محتوى متوازن، يعكس وعيًا ويمنح المتابع قيمة حقيقية. الاعتدال في الطرح لا يعني الحياد السلبي، بل هو فن التعبير عن الرأي بقوة ووضوح، دون انزلاق إلى العداء أو الاستفزاز. وفي النهاية، ما يبقى ليس الصوت الأعلى، بل الصوت الأصدق والأكثر اتزانًا. 

Saturday, 26 July 2025

الإعلام ليس إذاعة وتلفزيون فقط.

رغم أننا نعيش في عصرٍ تُدار فيه الدول عبر البيانات، وتُبنى فيه السمعة من تغريدة، وتُقاد الحملات عبر المنصات الرقمية… إلا أن بعض العقول ما زالت حبيسة التسعينات، تُعرّف الإعلام على أنه "إذاعة وتلفزيون"، وكأن التخصص لم يغادر مبنى وزارة الإعلام.

المؤسف أن هذا التصور لا يأتي من عامة الناس فقط، بل أحياناً من مسؤولين أو زملاء في بيئات يفترض أن تكون أكثر وعياً واتساعاً. يُقال للطالب الذي درس الإعلام بشغف، وأكمل دراساته العليا بإصرار: "ليش ما اشتغلت في الإذاعة؟"، "وش فايدة شهادتك؟"، وكأن الإعلام لا يستحق أن يُدرس إلا إذا انتهى بك في مذيع يقرأ الأخبار أو مخرج يستلم كاميرا!.

لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال بصوت عالٍ: الإعلام علم، ومهنة، ورسالة، ومجال متفرّع لا يقل قيمة عن الطب والهندسة والقانون، فهو تخصص يجمع بين اللغة، والفكر، والتقنية، والتحليل، والتصميم، وإدارة الرأي العام، وعلم النفس، والبيانات، وحتى الذكاء الاصطناعي. والعاملون في الوزارات والشركات الكبرى في أقسام الاتصال المؤسسي، الإعلام الرقمي، كتابة المحتوى، إدارة السمعة، تصميم الحملات، والتدريب الإعلامي هم في قلب العمل الإعلامي المعاصر، ومن خريجي الإعلام، ويضعون سياسات التواصل، ويعالجون الأزمات، ويديرون السمعة المحلية والعالمية. كذلك قطاعات الإعلام الصحي والتعليم الرقمي والتسويق السياسي كلها قطاعات تعتمد كلياً على خبرات إعلامية احترافية.
واليوم، بدأت الجامعات العالمية توسع أقسام الإعلام لتشمل تحليل البيانات الإعلامية، والمحتوى التفاعلي، والإعلام البيئي، والاتصال الاستراتيجي، والذكاء الاصطناعي الإعلامي، والقائمة في تجدد مستمر ما دام الإعلام يتطور بمجالاته وتقنياته.
وأيضاً، لا يمكننا تجاهل أن بعض الإعلاميين أنفسهم ساهموا في ترسيخ الصورة النمطية، حين اختصروا التخصص في الإلقاء أو الظهور فقط، دون التعمق في جوهره العلمي، أو استثماره في تطوير المجتمع.
لكن اللوم الأكبر يقع على بيئة لا تزال تقيس النجاح بعدد مرات الظهور على الشاشة، لا بعدد المرات التي غيّر فيها الإعلام فكرة، أو صنع رأياً عاماً، أو واجه شائعة.
خلاصة القول: الإعلام ليس مجرد صوت وصورة ومظهر، بل هو كلمة وبيان وأثر، وفكرة وتخطيط وتدبير، وهو القوة الناعمة، وسلاح المجتمعات، والمحرّك الخفي وراء كل فكرة تصل إلى الجماهير. فاحترام تخصص الإعلام واجب، ليس من باب المجاملة، بل لأنه حجر أساس في بناء الوعي الجماعي للمجتمع.

ولنرددها بملء الثقة: الإعلام ليس إذاعة وتلفزيون فقط. الإعلام هو كل ما يُشكّل وعي الناس.

Monday, 23 June 2025

تليجرام.. الجانب الآخر من التواصل الاجتماعي

حين يُذكر اسم "تليجرام"، يتبادر إلى أذهان كثيرين أنه مجرد تطبيق للمراسلة، شبيه بواتساب أو ماسنجر. لكن الحقيقة أوسع من ذلك بكثير، فـ"تليجرام" ليس فقط وسيلة تواصل، بل هو نظام بيئي متكامل، يجمع بين الخصوصية، والتنوع، والحرية، والمحتوى الإبداعي.
يتميز "تليجرام" بواجهته البسيطة وأمانه العالي، لكنه يخفي خلف هذه البساطة عالماً من الإمكانيات التي لا تتوفر في التطبيقات الأخرى. فهناك آلاف القنوات التي تقدم محتوى متخصصاً في كل مجال يمكن تخيله: من التعليم والتقنية، إلى الصحة والفن والتاريخ. يمكن لأي مستخدم أن ينضم إلى قنوات معرفية تقدم محتوى احترافيًا مجانياً، أو يتابع ملخصات الكتب، أو يتعلم لغة جديدة بأسلوب ممتع.
أما البوتات (Bots)، فهي من أبرز ملامح تليجرام الفريدة. هذه الروبوتات الذكية تقوم بأدوار مذهلة، مثل تلخيص المقالات، وتحويل الصوت إلى نص، وإرسال الأخبار العاجلة، وحفظ الملاحظات، وحتى ممارسة الألعاب. لا تحتاج لتطبيقات إضافية، فكل ما تحتاجه في مكان واحد.
كذلك يتميز "تليجرام" بخيارات خصوصية عالية، مثل إخفاء رقم الهاتف، والدردشة السرية، والمجموعات المغلقة. وهذا ما جعله ملاذًا آمنًا للكثير من المستخدمين الذين يبحثون عن تواصل بعيد عن التشويش، وعن الضجيج الذي يصاحب بعض المنصات الاجتماعية الأخرى.
الأهم من ذلك كله، أن "تليجرام" لا يعتمد على خوارزميات تروّج للمحتوى بحسب التفاعل فقط، بل يتيح لك اختيار ما تراه بنفسك، ويمنحك حرية المتابعة أو الانسحاب دون ضغط. وهذا ما يخلق تجربة تصفح أكثر وعيًا وهدوءًا.
رسالة إلى القارئ:
إذا كنت تشعر أن منصات التواصل المعتادة أصبحت مرهقة، أو أنك تكرر نفس المحتوى كل يوم، فجرب أن تفتح نافذة مختلفة عبر "تليجرام". قد تجد هناك جانبًا آخر من العالم الرقمي: أكثر نفعًا، وأقل صخبًا، وأقرب لما يليق بعقلك واهتماماتك.
افتح الباب، واستكشف.

Tuesday, 10 June 2025

لكلٍ طريقه.. وإن كان غير مألوف.

كثيرًا ما نسمع نصائح تبدأ بعبارات مثل: "الطريق المجرب هو الأضمن"، أو "افعل مثل فلان لتنجح". وفي حين أن الاستفادة من تجارب الآخرين أمر مهم، إلا أن ذلك لا يعني أن ننسخ خطواتهم حرفيًا، أو نلغي خصوصية تجاربنا وظروفنا. فلكل شخص طريقته الخاصة في الوصول، وربما تكون تلك الطريقة غير مألوفة، أو حتى غريبة في نظر البعض، لكنها إن كانت فعّالة ولا تُسيء لأحد، فإنها تستحق الاحترام.
إن السعي نحو الهدف لا يجب أن يكون مطابقًا لقالب واحد، فالعقول تتنوع، والوسائل تتعدد، وما يُناسب أحدهم قد لا يُناسب غيره. فهناك من ينجح بالهدوء والتأمل، وآخر بالاندفاع والمغامرة، وهناك من يلتف حول العقبات بطريقة ذكية بدلًا من الاصطدام بها. المهم في كل هذا، أن يظل الهدف نقيًا، والطريق إليه لا يعتدي على حقوق أحد، ولا يجرح القيم.
بل إن بعض أنجح القصص في التاريخ بدأت بخطوات وُصفت بالجنون، أو وُوجهت بالاستهجان، ثم تبين لاحقًا أنها كانت سابقة لزمانها.
خذ مثلًا قصة ستيف جوبز، مؤسس شركة Apple، الذي ترك الجامعة بعد فصل دراسي واحد فقط، وبدأ رحلة غير تقليدية بين دورات فنية وتجاربه الخاصة في التأمل والسفر. لم يتبع الطريق الأكاديمي التقليدي، لكنه بفضل شغفه وحدسه، أحدث ثورة في عالم التقنية غيرت شكل العالم.
وفي العالم العربي، يبرز مثال ناصر القحطاني، مؤسس مبادرة "إعلاميون"، الذي بدأ حياته كموظف بسيط في إحدى القنوات ثم قرر أن يؤسس كيانًا إعلاميًا مستقلًا يهتم بالتدريب والدفاع عن حقوق الإعلاميين. اختار طريقًا غير معتاد، لكنه بنى له حضورًا واحترامًا في أوساط الإعلام الخليجي.
ولدينا أيضًا قصة توماس إديسون، الذي طُرد من المدرسة لأن معلميه رأوا أنه بليد وضعيف الفهم! لكن والدته آمنت به، وعلّمته بنفسها، ليخترع لاحقًا المصباح الكهربائي ويصبح أحد أعظم المخترعين في التاريخ. طريقه في التعلم لم يكن تقليديًا، لكنه أثمر أعظم الإنجازات.
بل حتى في مجتمعاتنا الصغيرة، نرى من يقرر ترك وظيفة حكومية مرموقة ليتفرغ لمشروع ناشئ يؤمن به، أو من يتعلم مهارة جديدة عن بُعد، بعيدًا عن الطرق المعتادة في التعليم، ويثبت أن العبرة ليست بـ"الطريقة"، بل بالنية والالتزام والصدق مع الذات.
إن احترام الطرق المختلفة لا يعني الموافقة المطلقة عليها، بل يعني الاعتراف بحق الآخرين في الاختلاف، وفي اتخاذ قراراتهم بما يرونه مناسبًا لهم. وكما لا يجوز فرض طريق معين على الجميع، لا يصح كذلك الاستخفاف بمن اختار أن يسلك طريقًا خاصًا، ما دام لا يضر أحدًا ولا يخالف القيم.
وفي النهاية، ما يهم ليس شكل الطريق، بل الوصول. وما دام الإنسان يمشي بثبات، ويحترم نفسه والآخرين، فليكن طريقه كما يشاء.

Monday, 9 June 2025

اشتراكات التطبيقات حين تتحول إلى استغلال.

في بدايات التطبيقات الذكية، كانت التجربة بسيطة: تبحث عن أداة لحاجتك، تشتريها بسعر عادل، وتنطلق. أما اليوم، فقد تحولت كثير من التطبيقات إلى أفخاخ استنزافٍ ناعم، تخفي خلف واجهاتها اللامعة اشتراكات أسبوعية مبالغ فيها، تُفرض على المستخدم مقابل خدمات أساسية لا تستحق حتى عُشر تلك التكلفة.
المزعج في هذه الظاهرة ليس ارتفاع السعر فقط، بل طريقة تقديمه: تجربة مجانية قصيرة جدًا تنتهي فجأة، ثم تظهر شاشة الدفع دون تحذير واضح، وبخطة اشتراك قد تصل إلى ١٤ أو ١٥ دولارًا في الأسبوع – أي ما يزيد على ٧٠ دولارًا في الشهر، من أجل ميزات بسيطة مثل القص واللصق في مقاطع الفيديو، أو تصفية الصور، أو تحويل النص إلى صوت، أو تحرير مستند عادي!
وبينما يعتقد البعض أن هذه الأسعار تعكس جودة عالية أو تقنيات متقدمة، تظهر الحقيقة جلية عند المقارنة: كثير من المنافسين يقدمون نفس الميزات وأفضل منها مجانًا أو بسعر رمزي يُدفع لمرة واحدة، دون إعلانات ولا اشتراكات ملتوية.
الأسوأ من كل هذا أن بعض التطبيقات لا تكتفي بالاشتراك، بل تُثقل تجربة المستخدم بالإعلانات المزعجة، وتربك واجهتها التصميمية لتدفعه دفعًا إلى النقر على زر الاشتراك – سواء أراد أم لا. حتى مصطلحات مثل "ذكاء اصطناعي" و"خوارزميات ذكية" أصبحت تُستخدم كغطاء تسويقي، لتضخيم قيمة لا وجود لها فعليًا.
ولا تكتفي هذه التطبيقات بتحقيق الأرباح، بل تسعى لاحتكار الاستخدام عبر الدفع المستمر، وتُراهن على أن المستخدم إما سينسى إلغاء الاشتراك، أو سيشعر بالإحراج من التخلي عن "ميزة" اشترك فيها، رغم أنه بالكاد يستخدمها.
نحن بحاجة إلى وعي مختلف. إلى أن ندرك أن كثيرًا من هذه الاشتراكات ما هي إلا نسخة حديثة من الاستغلال، مموهة ومزينة ومقننة، لكنها في جوهرها تستخف بالمستخدم وتستنزف رصيده دون وجه حق.
الحل ليس في مقاطعة التطبيقات، بل في اختيار الواعي منها، ومطالبة المتاجر الكبرى مثل Google Play وApp Store بوضع ضوابط أوضح، وفرض شفافية أعلى على آلية الاشتراكات، وعدم السماح للتطبيقات بأن تُخفي شروط الدفع خلف واجهات مضللة.
وأخيرًا، تبقى مسؤوليتنا كمستخدمين أن نشارك تجاربنا، ونحذر غيرنا، ونمنح تقييماتنا الحقيقية – لا نُجامل، ولا نُسكت، بل نقول بوضوح: الاشتراك مقابل لا شيء، ليس رفاهية… بل استغفال.

Sunday, 8 June 2025

بين الشراء والتبرع: أيّهما يترك أثراً أبقى؟

في عالم يزداد فيه كل شيء تسعيراً وتحديداً، تظهر مبادرة مختلفة تُشبه لمسة إنسانية وسط زحام المنطق التجاري: أن تمنح منتجك أو محتواك مجاناً، وتترك خيار التبرع لمن أراد دعمه. قد يبدو هذا النموذج للوهلة الأولى مثالياً أو عاطفياً، لكنه في الواقع يحمل فهماً عميقاً لسلوك الإنسان، ولطبيعة العلاقة بين المبدع والجمهور.

بدلاً من فرض مبلغ معين على كتاب إلكتروني أو تطبيق أو محتوى تدريبي، يُعرض المنتج مجاناً، ويُفتح المجال لأي شخص أن يدعم صاحبه بما يراه مناسباً. الفكرة بسيطة، لكنها تخلق تأثيراً كبيراً. فالمتلقي لا يشعر أنه "اشترى" شيئًا، بل شارك في دعمه. ومن هنا، تتغير نظرته تماماً تجاه التجربة. التبرع هنا لا يكون ردّاً على طلب، بل استجابة لمشاعر داخلية مثل الامتنان أو الإعجاب أو حتى الإيمان بقيمة ما تلقّاه.
من زاوية العلاقات العامة، هذا النموذج لا يبني فقط صورة إيجابية، بل يخلق علاقة إنسانية عميقة. المؤسسات أو الأفراد الذين يختارون هذا الأسلوب لا يتعاملون مع الجمهور كأرقام أو مستهلكين، بل كشركاء. وهنا، ينتقل الاتصال من كونه ترويجاً إلى كونه بناء ثقة. وما يُدهشك، أن هذا النوع من الثقة يترجم غالباً إلى دعم حقيقي، ولو بمبالغ رمزية، لكنه دعم نابع من إرادة حرة، وهذه هي النقطة الفاصلة.
الفرق بين أن تشتري شيئًا، وبين أن تحصل عليه مجاناً ثم تختار دعمه، هو فرق في نوع الشعور لا في نوع القيمة. في الحالة الأولى، تتم عملية تجارية تقليدية: تدفع وتستلم. أما في الحالة الثانية، فإنك أولاً تُمنح، ثم يُخاطب ضميرك. قد تتجاهله، لكن الأغلب أنك ستفكر، وستقدّر، وربما تدعم. وفي كل الحالات، لن تشعر بأنك مُجبر أو مدفوع لذلك.
هذا النموذج يراهن على الخير الكامن في الناس. وهو أيضًا وسيلة لفتح أبواب الوصول أمام الجميع، بغض النظر عن قدرتهم المادية. المحتوى يبقى متاحاً، والتبرع يصبح وسيلة استدامة، لا شرط دخول. وبهذا، ينتقل المنتج أو المحتوى من دائرة السوق إلى دائرة الأثر، ويصبح مدفوعاً بقوة الفكرة، لا بقوة السعر.
في السياق الاجتماعي، هذه الفكرة تشجع على الكرم، وتعيد للناس شعورهم بالقدرة على المساهمة، ولو بالقليل. وفي السياق النفسي، تُشعر المتبرع بأنه ليس مجرد مستهلك، بل إنسان محترم يُثق باختياره. وهذا يترك أثراً أعمق من أي إعلان أو عرض تسويقي.
قد لا يدر هذا النموذج أرباحاً فورية، لكنه يراكم رأس مال من نوع آخر: الاحترام، السمعة الطيبة، الولاء الحقيقي. والأهم من ذلك، أنه يعيد تعريف ما يعنيه أن تُنتج شيئًا نافعاً في هذا العالم. فالمبدع لا يُقاس بما يجنيه من كل نسخة، بل بما يتركه من أثر في كل شخص.
ختاماً، هذه الفكرة ليست مجرد طريقة جديدة للدفع، بل هي فلسفة في منح الثقة، وإفساح المجال للمشاركة. وكل من جرّبها، يعلم أن الناس حين يُمنحون حرية القرار، غالبًا ما يختارون أن يكونوا نبلاء.

 

Monday, 24 February 2025

1+1=2

إنها من أوليات القواعد التي درسناها حين كنا أطفالاً في المراحل الابتدائية، قاعدة بسيطة، كنا سعداء لأننا عرفناها وطبقناها في حساباتنا الصغيرة، حين نجمع النقود للشراء من المقصف المدرسي، وحين يُعاد إلينا الزائد منها على شكل قطع نقدية ندخرها ليوم آخر نحتاجها فيه.
ولكن هذه القاعدة أعمق من معناها السطحي بكثير، فهي ليست قاعدة حسابية وحسب، بل هي مفتاح كل الحقائق التي لا تحتاج إلى توضيح، ففي عالم يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم، نجد أنفسنا في مواجهة ظاهرة غريبة؛ الميل إلى الوقوف عند الواضحات من باب التماس الأعذار، وإهدار الكثير من الوقت والجهد لإيجاد ثمة عذر يقلب الواقع، ويكون طرف الخيط الذي يقودنا إلى تحقيق أمانينا.

الحياة مليئة بالقرارات التي تعتمد على هذا المبدأ: ١+١=٢. إذا كنت تعلم أن بيئة عملك سامة، فلماذا التردد في التغيير؟، إذا كنت تعرف أن الاستمرار في علاقة مؤذية مؤلم، فلماذا التمسك بها؟، وإذا كنت تؤمن أن النجاح يتطلب اجتهادًا، فلماذا تتوقعه دون سعي؟، وحين يكون القرار الصحيح أمامك كالشمس في وضح النهار، لماذا تتردد؟ لماذا تبحث عن مبررات لإعادة التفكير في أمر واضح؟.

التردد أمام الواضح هو هروب من المواجهة، والمنطق البسيط يقول إن الحقائق الواضحة لا تحتاج إلى تفسير مطول، تمامًا كما أن الشمس تشرق من الشرق والماء يروي العطش.

في النهاية، لن تتغير الحقائق لأننا نخشى مواجهتها، ولن يتحول الخطأ إلى صواب لمجرد أننا نقنع أنفسنا به. لذلك، فلنتوقف عن تحليل المعطيات الواضحة، ولنواجه الحقائق بشجاعة، لأن الحقيقة، ببساطة، هي أن ١+١ سيبقى دائمًا يساوي ٢.

 

Monday, 10 February 2025

ثق بإنسانيتك.

كنت أقرأ إحدى المقالات الصحفية ومن عادتي أن أتأمل في أسلوبها وأفكارها كي أفهمها كما يريد كاتبها، وهذا حقٌ له، أخذت أتأمل في أسلوب ذلك المقال، كان واضحاً مفهوماً بعيداً عن التعقيدات التي يرى البعض أنها سر الاحترافية في أي مجال والعكس صحيح، فللبساطة جمال فريد وقبول كبير تريح الناس في التعامل.

كلٌ منا يمتلك أسلوباً في حياته، في كلامه ولباسه ومظهره وفكره والتعبير عن آرائه ومشاعره، ولكن البعض منا يظن أنه غير مؤثر بأسلوبه وهو لا يعلم أن أثره حاضر في جانب ما، قد لا تدرك أثر أفعالك وتصرفاتك إلا بعد حين أو بعد تنبيهك بها، والأسلوب الإيجابي يبقى أثره دائماً وعميقاً مهما كان بسيطاً، وإذا كان بالإمكان تطويره سيعظم أثره أكثر وأكثر، إنه الدليل على إنسانيتك فثق بإنسانيتك واعتنِ بها لتكون إنساناً رائعاً يحبه كل الناس.

 

Sunday, 2 February 2025

لعنة القارب.

في أعماقنا، توجد منطقة غامضة تشبه "لعنة القارب"، حيث نجد أنفسنا عالقين بين ضفتين، غير قادرين على اتخاذ القرار بالانتقال إلى وجهة أخرى. هذه المنطقة تمثل حالة التردد والخوف التي تسيطر علينا في بعض الأحيان، وتمنعنا من التقدم وتحقيق أهدافنا.
تحكي الأسطورة عن شخص كان ينتقل باستمرار بين ضفتي نهر على متن قارب. في كل مرة يصل إلى إحدى الضفتين، يجد الطريق مغلقاً أمامه، فيعود مرة أخرى إلى الضفة التي أتى منها، ويظل يتساءل: لِمَ كتب علي الانتقال من ضفة إلى ضفة! وهكذا، يبقى هذا الشخص حبيساً بين ضفتين لا يقدر على اجتيازها، ولو فكر قليلاً، سيدرك أن الحل هو التخلي عن قاربه ومجدافه ويقفز في النهر ويغامر ليمضي إلى وجهته.
تعكس هذه القصة حالة الصراع النفسي التي نعيشها في بعض الأحيان. فنحن نخاف من اتخاذ القرارات المصيرية، ونفضل البقاء في منطقة الراحة التي اعتدنا عليها، حتى لو كانت غير مرضية بالنسبة لنا. الاعتياد الطويل، والخوف من الفشل، أو من المجهول، أو من فقدان ما نملك، يجعلنا مترددين وغير قادرين على اتخاذ الخطوة الأولى نحو التغيير.
"لعنة القارب" هي قصة تذكرنا بأن التردد والخوف هما أعداء التقدم. إذا أردنا تحقيق أحلامنا وطموحاتنا، يجب أن نتحلى بالشجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة، وأن نثق بأنفسنا وقدراتنا. تذكر دائماً أن القارب والمجداف ليسا دائماً سر الأمان على الماء، بل قد يكون الأمان في الأعماق أحياناً، وشجاعتك هي التي ستقودك إلى النجاح.

Saturday, 25 January 2025

القبول في الجامعات: حلم التعليم الذي بات بعيد المنال

  في ظل السعي نحو تنمية المجتمعات وتطويرها، يمثل التعليم العالي أحد الركائز الأساسية لبناء الأجيال القادرة على مواجهة تحديات المستقبل. ومع ذلك، أصبح حلم الحصول على التعليم الجامعي عصياً على كثير من الشباب بسبب سياسات القبول المشددة التي تضع حواجز تعجيزية أمامهم، حيث تشترط العديد من الجامعات معدلات أكاديمية مرتفعة أو اجتياز اختبارات معيارية صعبة كشرط أساسي للقبول، دون مراعاة لمدى حاجة التخصص لهذه الشروط والفروقات الفردية بين الطلاب أو ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. مثل هذا النهج لا يعكس بالضرورة قدرات الطالب الفعلية أو إمكانياته الإبداعية، بل يُسهم في تهميش شرائح واسعة من المجتمع ويزيد من الفجوة بين من يستطيعون الحصول على التعليم الجامعي ومن يُحرمون منه.
إن مثل هذه السياسات التي تؤدي إلى حرمان الشباب من استكمال تعليمهم الجامعي لا ينعكس فقط على الأفراد أنفسهم، بل يحمل عواقب وخيمة على المجتمع بأسره. إذ يؤدي إلى نقص في الكوادر المؤهلة، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم التفاوت الطبقي، والشعور بتدني التقدير للذات، والتعليم هو الوسيلة الأهم لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وسياسات القبول الصارمة تحول دون تحقيق هذه الأهداف.
ولمعالجة هذا التحدي، ينبغي على صانعي السياسات والجامعات تبني نهج أكثر مرونة وإنسانية، يتيح فرصاً أكبر للشباب لإثبات قدراتهم والانخراط في مسارات التعليم العالي، مثل إعادة صياغة معايير القبول بحيث تشمل تقييم مهارات الطالب وشغفه بالمجال بدلاً من الاعتماد الكلي على النتائج الأكاديمية. وتعزيز البرامج التحضيرية لتأهيل الطلاب الذين يحتاجون إلى تحسين بعض مهاراتهم قبل الانخراط في الدراسة الجامعية. وزيادة المنح الدراسية خاصةً للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود لتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. وإقامة شراكات مع المدارس لضمان إعداد الطلاب منذ المراحل المبكرة للتكيف مع متطلبات التعليم الجامعي.
وبجانب تسهيل القبول، تحتاج المجتمعات إلى تغيير ثقافتها تجاه التعليم العالي، بحيث يصبح التعلم هدفاً أساسياً للجميع. ويمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعوية تُبرز أهمية التعليم في تحسين مستوى الحياة والارتقاء بالمجتمع، وتوفير بيئة تعليمية جاذبة تدعم الطالب وتشجعه على الإبداع والتميز.
إن فتح أبواب الجامعات أمام الجميع لا يعني التهاون في الجودة، بل هو استثمار في العقول التي ستقود التنمية وتبني المستقبل. وعلى الجامعات أن تدرك أن دورها لا يقتصر على التعليم فقط، بل يشمل احتواء الطاقات وإطلاق إمكانيات الأفراد، لأن نجاح المجتمعات يبدأ من مقاعد الدراسة.

Wednesday, 4 December 2024

اليوم العالمي للتطوع: تعزيز روح العطاء والعمل الجماعي

يُعتبر اليوم العالمي للتطوع، الذي يُحتفل به سنوياً في الخامس من ديسمبر، مناسبة عالمية تسلط الضوء على أهمية العمل التطوعي ودوره في تعزيز المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة. هذا اليوم الذي أقرّته الأمم المتحدة في عام 1985، يُعد فرصة للتأكيد على قيمة الجهود التطوعية في إحداث التغيير الإيجابي في حياة الأفراد والمجتمعات.
ويُعتبر التطوع من أبرز مظاهر التضامن الإنساني، حيث يعكس روح العطاء والإيثار بعيداً عن المصالح الشخصية، فمن خلال العمل التطوعي، يتم تعزيز الروابط الاجتماعية، وتمكين الأفراد من تقديم وقتهم وجهودهم لتحسين حياة الآخرين. سواء كان ذلك في مجالات التعليم، الصحة، البيئة، أو دعم الفئات المهمشة، فإن العمل التطوعي يُسهم بشكل مباشر في تحقيق الأهداف التنموية وتعزيز التكافل الاجتماعي، متجاوزاً بذلك كونه نشاط إنساني إلى قوة محركة للتنمية المستدامة، مما يبرز أهميته كجزء أساسي من الجهود العالمية لتحسين حياة البشر.

وفي مملكة البحرين يتجلى التطوع بأحلى صوره، من خلال الفرق التطوعية والجمعيات والمنظمات الأهلية التي تستهدف مختلف الفئات الاجتماعية، لتسهم في تعزيز الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمهنية.

إن الاحتفال باليوم العالمي للتطوع فرصة لتقدير الجهود العظيمة التي يبذلها المتطوعون، وهو ليس مقتصراً على المتطوعين الحاليين فقط، بل هو دعوة للجميع للانضمام إلى هذه الجهود الإنسانية، فيمكن لأي فرد المساهمة بوقته أو مهاراته في الأنشطة والمبادرات المحلية والعالمية التي تنفذها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية سواء عبر الأنشطة الميدانية أو من خلال المنصات الرقمية، ليصبح التطوع جزءاً من قصة إنسانية عظيمة. 

Monday, 2 December 2024

اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة: تعزيز الحقوق وتحقيق الدمج الشامل.

في الثالث من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ،  وهو مناسبة تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على تحقيق دمجهم الكامل في مختلف جوانب الحياة. هذا اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة عام  1992  يعد فرصة للتذكير بأهمية التكاتف المجتمعي والمؤسسي لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للجميع.

وشعار هذا العام: “ نحو مستقبل أكثر شمولاً واستدامة” ،  في إشارة إلى ضرورة بناء مجتمعات توفر فرصاً متساوية للجميع، بما يضمن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، والعمل، والحياة الاجتماعية، والتكنولوجية.

ويشكل الأشخاص ذوو الإعاقة حوالي  15%  من سكان العالم ، وهم يواجهون تحديات متعددة تتراوح بين عدم الحصول على فرص متساوية في التعليم والعمل، إلى التمييز المجتمعي وعدم ملاءمة البنية التحتية، ولذا، فإن هذا اليوم يمثل فرصة للدول والمؤسسات والمنظمات لتجديد التزامها بضمان حقوق هذه الفئة ومساعدتها على تجاوز العقبات.

ورغم التقدم الذي شهدته السنوات الأخيرة بفضل المبادرات المختلفة، مثل إصدار قوانين تدعم التعليم والتوظيف الدامج وتطوير التكنولوجيا المساعدة، يبقى التحدي الأكبر المتمثل في عدم ملاءمة البيئة التعليمية والمهنية والمجتمعية لتحقيق الدمج الشامل، فالدمج الحقيقي لا يقتصر على توفير المرافق المادية، بل يشمل تغيير النظرة المجتمعية والتأكيد على قيمة التنوع البشري.

إن هذا اليوم تذكير بأن تحقيق الدمج الشامل ليس مسؤولية الحكومات فقط، بل هو واجب المجتمع بأكمله. وذلك ببناء بيئة تُشجع على الاحترام والتفاهم، وتقديم الدعم والتوعية وتبني سياسات عادلة، حيث لا يُترك أحد خلف الركب، وحيث تتحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للجميع.

 

Sunday, 1 December 2024

المرأة البحرينية: شريك في بناء الوطن

في الأول من ديسمبر من كل عام تحتفل البحرين بيوم المرأة البحرينية، والذي يأتي شاهداً على الإنجازات البارزة التي حققتها المرأة البحرينية في مختلف المجالات، مؤكدةً دورها المحوري في بناء الوطن وتطويره، فبفضل الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ودعم صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، تمكنت المرأة البحرينية من تحقيق تقدم ملحوظ في كافة المجالات.
ويأتي الاحتفال لهذا العام تحت شعار: "المرأة شريك جدير في بناء الدولة"، وهو يعكس بوضوح الدور الكبير الذي تضطلع به المرأة في مسيرة التنمية الشاملة في مملكة البحرين. فقد أثبتت المرأة البحرينية قدرتها على المنافسة والابتكار والإبداع، وساهمت بشكل فعال في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقد حققت المرأة البحرينية العديد من الإنجازات في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، فعلى الصعيد السياسي مثلت في المجالس النيابية والبلدية تمثيلًا لافتاً، مما يعكس إيمان القيادة الرشيدة بأهمية مشاركة المرأة في صنع القرار.
 وعلى الصعيد الاقتصادي حظيت بتمكين اقتصادي من خلال توفير فرص عمل متساوية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقودها، وفي مجال التعليم حققت معدلات مرتفعة في التحصيل العلمي، وشغلت مناصب قيادية في المؤسسات التعليمية، وفي مجال الصحة ساهمت بشكل كبير في تطوير القطاع الصحي، وتقديم خدمات صحية عالية الجودة للمجتمع، وفي المجتمع المدني لعبت دورًا حيويًا في تعزيز العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية.
وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها المرأة البحرينية، إلا أنه لا يزال هناك بعض التحديات التي يجب مواجهتها، مثل تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والحياة الأسرية، والتوازن الصحيح بين الجنسين بما لا يتعارض مع طبيعتها الفطرية السليمة.
إن يوم المرأة البحرينية هو مناسبة للاحتفاء بإنجازات المرأة البحرينية، وتجديد العهد بالعمل معًا لبناء مستقبل أفضل للجميع، فالمرأة البحرينية هي شريك أساسي في مسيرة التنمية، وهي تستحق كل الدعم والتقدير، فهنيئاً لبلدٍ تساهم في بنائه الأمهات والبنات والأخوات.


Thursday, 28 November 2024

كفيف الأمس وكفيف اليوم: مسيرة من التحدي والاندماج.

لطالما كان الشخص الكفيف رمزاً للتحدي والصبر في مواجهة صعوبات الحياة، وقد شهدت رحلته نحو الاندماج في المجتمع تطورات كبيرة على مدار الزمن. فمنذ عقود، كانت خيارات الكفيف محدودة، وكانت التحديات التي تواجهه في الحياة اليومية كبيرة جداً، بينما شهدت السنوات الأخيرة قفزة نوعية في سبل دعمه وإدماجه. هذه المقارنة بين كفيف الأمس وكفيف اليوم تكشف لنا حجم التقدم الذي أُحرز في هذا المجال.
ففي الماضي، كانت ظروف الكفيف أصعب بكثير؛ إذ لم تكن الوسائل التكنولوجية الحديثة متاحة كما هي اليوم. وكان اعتماده مقتصراً على العائلة أو الأصدقاء لمساعدته في التنقل وتلبية احتياجاته اليومية، ولم يكن المجتمع بشكل عام مهيئاً لدعمه، وغالباً ما كان يشعر بالعزلة عن محيطه، ويواجه صعوبات في التعلم والعمل؛ بسبب محدودية الفرص في المؤسسات التعليمية والتوظيفية، وعلى الرغم من وجود كتابة برايل التي تمثل إنجازاً في حد ذاتها، إلا أن استخدامها ظل محدوداً في أغلب الأماكن، ولم تكن هناك جهود ملموسة لتعليمها للكفيف بصورة واسعة النطاق، مما صعّب عليه الوصول إلى المعلومات المكتوبة، كل هذه الصعوبات جعلت المجتمع ينظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره شخصاً عاجزاً، مما زاد من تهميشه.
أما اليوم، فقد تطورت التقنيات ووسائل الدعم بشكل كبير، مما مكّن الكفيف من تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية والاندماج في المجتمع، وأصبح من المستفيدين من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التي قدمت أدوات مساعدة متنوعة مثل الهواتف الذكية المزودة ببرامج ناطقة، والأجهزة اللوحية، وتطبيقات التعرف على النصوص والصور، وثورة الذكاء الاصطناعي الهائلة، مما سهّل على الكفيف الوصول إلى المعلومات والتفاعل مع الآخرين والقيام بأعمال كثيرة كانت في يوم ما مستحيلة.
وبالإضافة إلى ذلك، شهدت الأجهزة والتطبيقات الخاصة تطورات كبيرة هي الأخرى، مثل العصا الذكية وتطبيقات الفيديو التي تتيح للكفيف التنقل بأمان في الأماكن العامة دون الحاجة لمرافقة دائمة، كما أن نظم التوجيه الصوتي في المؤسسات والمرافق العامة، ومبادرات تحويل الكتب والمراجع إلى نسخ صوتية أو مكتوبة بكتابة برايل وبصيغ سهلة القراءة من خلال الكمبيوتر، ساهمت في توفير بيئة تعليمية وتوظيفية أكثر شمولية للكفيف.
وفيما يتعلق بالعمل، أصبحت مؤسسات عديدة توفر فرصاً للكفيف في مجالات مختلفة، مدعومة ببرامج تدريبية متخصصة، وبفضل قوانين حقوق ذوي الإعاقة، باتت الشركات ملزمة بتوفير بيئة عمل تتناسب مع احتياجات الكفيف، مما عزز من فرصه الوظيفية وأتاح له أن يكون عنصراً فاعلاً ومنتجاً.
وإلى جانب التكنولوجيا المتطورة، هناك الأدوات المساعدة الأخرى التي تصمم بشكل مناسب للاستخدام كأن تكون أكبر أو أوسع أو أن تكون مزودة بعلامات بارزة أو واضحة الرؤية تسهل استخدامها وتمييزها، ولا ننسَ الحدس العالي الذي يتمتع به الكفيف في محاولة الدماغ لملء الفراغ الذي تركه فقدان البصر لديه.
ومع كل هذا التطور، لم يعد الكفيف  مجرد شخص فاقد للبصر، بل هو فرد يمتلك قدرات ومواهب يمكن أن تكون إضافة قيمة لمجتمعه إذا ما حصل على الدعم اللازم، ومن المهم أن نتقبل الكفيف وندعمه في مسيرته نحو الاندماج الكامل، وأن ندرك أن أي إعاقة جسدية لا يجب أن تقف عائقاً أمام تحقيق الإنسان لطموحاته.
فلنكن عوناً للكفيف، ولنساهم جميعاً في بناء مجتمع أكثر شمولية، حيث يجد كل فرد مكانه وحيث تُقدر قيمة كل إنسان بما يقدمه لا بما يفتقده.

Wednesday, 27 November 2024

أخلاقيات مهنة التدريس الجامعي: نحو تعزيز التفكير النقدي واحترام العقول الشابة

مهنة التدريس الجامعي ليست مجرد وظيفة تؤدى لتحقيق دخل مادي أو لتأمين مكانة اجتماعية، بل هي رسالة نبيلة ومسؤولية تتجاوز حدود الفصول الدراسية. إنها دعوة لتشكيل العقول، وتشجيع التفكير النقدي والإبداعي، وإعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحياة بتفكير مستقل وواعٍ.
ومع ذلك، تواجه هذه المهنة تحديات كبيرة تتعلق بأخلاقيات التعامل مع الطلبة وتشجيع مهاراتهم، خاصة في ظل بعض الممارسات التي تهدد بيئة التعليم الجامعي، حيث يعاني بعض الطلبة من بعض الأساتذة الجامعيين من معاملتهم كمتلقين سلبيين، يتم حشو عقولهم بآراء الباحثين والمفكرين السابقين دون فتح المجال للنقاش أو النقد.

إن هذا النهج لا يعيق الإبداع فحسب، بل يكرس عقلية التبعية الفكرية التي تخالف جوهر التعليم الجامعي، فالطالب الجامعي ليس وعاءً فارغاً يتم ملؤه بالحقائق والمعلومات، بل هو عقل حي يستحق الاحترام، ويحتاج إلى التشجيع لاستكشاف أفكار جديدة وتحدي السائد منها.
إن الأستاذ الذي يحترم الطلبة ويقدر مساهماتهم الفكرية لا ينظر إلى اختلاف الآراء على أنه تهديد، بل فرصة للنقاش المثري والتعلم المتبادل، ما يخلق بيئة تعليمية صحية تعزز من الثقة بالنفس وتشجع على الجرأة في التفكير، وفي المقابل، فإن القمع الفكري والاستهزاء بأفكار الطلبة يخلق مناخاً من الخوف والخضوع ويؤدي إلى مخرجات تعليمية ضعيفة، وهو ما يتعارض مع الرسالة السامية للتعليم.

هذه الأخلاقيات ليست مجرد قواعد أخلاقية، بل هي ركيزة أساسية يعتمد عليها نجاح العملية التعليمية، فتشجيع التفكير النقدي، واحترام الطلبة كأفراد، والابتعاد عن التسلط الفكري، هي ممارسات يجب أن تكون في صميم كل أستاذ جامعي.

إن مهنة التدريس الجامعي ليست للجميع، فهو يتطلب سمات خاصة، مثل الصبر، والقدرة على التحفيز، والرغبة في التعلم المستمر، فضلاً عن مهارات تواصل فعالة مع الطلبة، فالأستاذ الجامعي المثالي هو الذي يمتلك شغفاً حقيقياً بالعلم والتعليم، ويرى في الطلبة امتداداً لرسالته وليس مجرد أرقام في السجلات الأكاديمية. أما أولئك الذين ينظرون إلى المهنة كوسيلة لتحقيق مكاسب مادية أو مكانة اجتماعية، فإنهم غالباً ما يفتقرون إلى القدرة على إلهام الطلبة وتوجيههم نحو تحقيق إمكاناتهم، لذا، يجب أن يُعاد النظر في اختيار من يتقلد هذه المهنة، بحيث تظل الجامعة منارة للعلم والتفكير الحر، وليس مجرد مصنع لتكرار الأفكار.
رسالة لكل أستاذ جامعي: إن وجودك في قاعة المحاضرات ليس فقط لتعليم المنهج الدراسي، بل لإشعال شرارة التفكير والإبداع في عقول الطلبة لتغير العالم. اجعل من احترام آرائهم وتقدير مساهماتهم مبدأً أساسياً في عملك، ولا تخشَ الأفكار الجديدة التي يطرحونها، بل شجعهم على التفكير خارج الصندوق ومواجهة الأفكار السائدة بالنقد البناء، واجعل من نفسك قدوة تُلهم الطلبة، وكن حافزاًأً يدفعهم إلى الإيمان بقدراتهم وأفكارهم، ليبقى أثرك خالداً في عقول الأجيال التي علمتها، ويصبح التعليم الجامعي منارة حقيقية للتنوير والإبداع.

Monday, 25 November 2024

خدمات الأشخاص ذوي الإعاقة بين العرض والفرض.

في ظل تزايد الوعي المجتمعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، شهدنا خطوات ملموسة قامت بها الجهات الحكومية والخاصة لتوفير الخدمات والتسهيلات التي تضمن لهم حق العيش الكريم والمشاركة الفاعلة في المجتمع. من تجهيز الأماكن العامة لتكون ميسّرة الوصول إلى تقديم الدعم في التعليم والتوظيف، تبدو هذه المبادرات كجزء من التزام المجتمع بتمكين هذه الفئة.

ولكن، في خضم هذا السعي المحمود، نجد أنفسنا أمام مشكلة تستحق التوقف عندها، وهي فرض الخدمة على المستفيد بدلاً من عرضها عليه بطريقة اختيارية تحترم إرادته واحتياجاته الفردية، وقد يبدو هذا الأمر صغيراً لدى البعض، لكنه يعكس غياب فهْم عميق لللغرض الحقيقي من هذه الخدمات، وهو التسهيل قدر الإمكان وتعزيز الاستقلالية، كما يعكس غياب إدراك حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاختيار والاستقلالية.
عندما تُقدّم خدمة ما وكأنها إجبارية، فإن ذلك قد يشعر الشخص ذي الإعاقة بأنه فاقد للسيطرة على قراراته، غير مدرك لمصلحته، وكأنّ الجهات المقدمة ترى فيه متلقياً سلبياً، لا يُمكنه التفكير أو اتخاذ القرار الأنسب لحياته. قد يكون الدافع وراء هذا الفرض نية حسنة أو حرصاً مفرطاً على تقديم الدعم، لكن النتيجة هي تهميش حق المستفيد في أن يكون له الرأي الأول والأخير في اختيار ما يناسبه.
وما يزيد الأمر سوءً هو استغلال مرافق الشخص ذي الإعاقة وذويه ليستفيدوا منها بدورهم، دون أن يوضحوا له طبيعة الخدمة ومدى ملاءمتها له من عدمها، فأصحاب الهمم من ذوي الإعاقة دائماً ما يتحينون الفرص لإثبات قدراتهم وإمكاناتهم، ووجود مثل هذه الخدمات قد يزعجهم إذا ما تم استغلالها واستغلالهم بسببها، الأمر الذي يحول هذه الخدمات من نعمة إلى نقمة، ولا يملكون حق الاختيار في قبولها أو الاستغناء عنها.

وينجم عن فرض الخدمات على الأشخاص ذوي الإعاقة آثارٌ عديدة تتمثل في الشعور بالتهميش، وإهدار الموارد بسبب تقديم خدمات غير مرغوبة أو غير مناسبة للاحتياجات الحقيقية، وتعزيز الصورة النمطية بأنهم غير قادرين على الاستقلال بأنفسهم، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى خلق فجوة في الثقة بين الأشخاص ذوي الإعاقة والجهات المقدمة للخدمة بسبب تقديمها بطريقة فوقية.


إنّ تقديم الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن يُبنى على احترام إرادتهم وفهم احتياجاتهم الحقيقية، وهذا يعني عرض الخدمات لا فرضها، وأن تكون الخدمات متاحة بوضوح مع توضيح الخيارات، بحيث يختار المستفيد ما يناسبه، كذلك محاورته واستشارته قبل تقديم أي خدمة لضمان أنها تتماشى مع احتياجاته ورغباته، وعدم استغلال مرافقه لهذه الخدمات، وأن يكون الغرض الأسمى من هذه الخدمات هو تمكين الاستقلالية للأشخاص ذوي الإعاقة وليس جعلهم يعتمدون على خدمات مفروضة.
إن تقديم الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة أمر محمود وعمل مشروع، لكنه لا يعني فرض الوصاية عليهم، بل يعني التمكين والإشراك في عملية صنع القرار من خلال التسهيلات المقدمة من هذه الخدمات، ومن الضروري أن تُصمم الخدمات بشكل يتيح لهم حرية الاختيار، وأن يتم الاستماع إلى أصواتهم واحتياجاتهم الفعلية، هذا الاحترام لحق الاختيار هو جزء أساسي من تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو ما يضمن تحقيق الهدف الأسمى: مجتمع متساوٍ يتيح الفرص للجميع دون تمييز أو وصاية.

في عصر المعلومات المتدفقة، كيف نحمي الحقيقة من التشويه.

في عصرنا الحالي، أصبح الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقت مضى، بفضل التكنولوجيا المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت لكل فرد مساحته الخاصة لنشر الأفكار والمعلومات. ومع ذلك، فإن هذا التدفق المستمر للمعلومات لم يأتِ دون ثمن؛ إذ أصبح التمييز بين الحقيقة والباطل تحدياً كبيراً يواجه الأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء.
وتشهد هذه الحقبة انفتاحاً غير مسبوق يتيح لأي شخص مشاركة أفكاره وآرائه مع ملايين الناس بضغطة زر، بغض النظر عن خلفيته أو نواياه، وعلى الرغم من فوائد هذا الانفتاح، إلا أنه خلق بيئة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار المزيفة، وفي كثير من الأحيان، يتم ترويج هذه المعلومات المغلوطة بطرق احترافية تجعلها تبدو وكأنها حقائق لا تقبل الجدل.
وتتعدد الدوافع وراء نشر المعلومات غير الدقيقة، أحياناً تكون النية بريئة، مثل نشر خبر غير مؤكد بسبب الحماسة أو الثقة في مصدر غير موثوق، وفي حالات أخرى تكون النوايا خبيثة، مثل التلاعب بالرأي العام لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، ويزيد من خطورة هذه الظاهرة اعتماد الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، حيث تتصدر العناوين المثيرة قائمة المشاهدات والنقرات بغض النظر عن صحتها.
وعلاوة على ذلك، فإن الخوارزميات التي تعتمد عليها هذه المنصات تلعب دورأً كبيرأً في تعزيز انتشار المعلومات المضللة. فهي تُظهر للمستخدمين ما يتماشى مع اهتماماتهم ومعتقداتهم، مما يعزز “فقاعات المعلومات” ويقلل من تعرضهم لوجهات نظر مختلفة أو معلومات تصحيحية.
ولا شك أن مسؤولية التصدي للمعلومات الزائفة تقع على عاتق الجميع، بدءً من الفرد وانتهاءً بالمؤسسات الإعلامية الكبرى، فعلى المستوى الشخصي، يمكننا اتباع خطوات بسيطة لكنها فعالة، مثل التأكد من المصدر، والبحث عن المعلومة من مصادر متعددة، وتجنب الانجراف وراء العناوين المثيرة.
أما على المستوى المؤسسي، فإن تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور يجب أن يكون أولوية، فمناهج التعليم يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تعليم الأجيال القادمة مهارات التفكير النقدي والقدرة على التحقق من المعلومات.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا هي العامل الأساسي في تفاقم هذه المشكلة، إلا أنها أيضأً يمكن أن تكون جزءً من الحل، فقد تطورت تقنيات التحقق من صحة المعلومات بشكل ملحوظ، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الصور والفيديوهات والنصوص للكشف عن التلاعب. لكن الأهم من ذلك هو أن يدرك كل فرد أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي؛ بل يجب أن يصاحبها وعي إنساني يجعل من الصعب خداع العقول.
ختاماً، ليس كل ما يُنشر يُصدق، وليس كل ما يُقال حق، ففي عالم تفيض فيه المعلومات من كل جانب، يصبح الوعي العميق والتفكير النقدي مقومات  لا غنى عنها لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من مخاطر التضليل، فالمعرفة الحقيقية ليست في كثرة المعلومات، بل في التمييز بين الصحيح والزائف، بين الحقيقة المطلقة والنوايا الصادقة، وبين الشائعات المغرضة والمصالح الخفية، وصولاً لمجتمع يطمئن فيه الجميع.

الاعتدال في الرأي… طريق إلى الجماهيرية الرقمية

في عصر السوشيال ميديا، حيث يتنافس الأفراد والمؤسسات على كسب أكبر عدد من المتابعين، يبرز سؤال مهم: لماذا يحظى أصحاب الآراء المعتدلة والإيجابي...