Monday, 9 June 2025

اشتراكات التطبيقات حين تتحول إلى استغلال.

في بدايات التطبيقات الذكية، كانت التجربة بسيطة: تبحث عن أداة لحاجتك، تشتريها بسعر عادل، وتنطلق. أما اليوم، فقد تحولت كثير من التطبيقات إلى أفخاخ استنزافٍ ناعم، تخفي خلف واجهاتها اللامعة اشتراكات أسبوعية مبالغ فيها، تُفرض على المستخدم مقابل خدمات أساسية لا تستحق حتى عُشر تلك التكلفة.
المزعج في هذه الظاهرة ليس ارتفاع السعر فقط، بل طريقة تقديمه: تجربة مجانية قصيرة جدًا تنتهي فجأة، ثم تظهر شاشة الدفع دون تحذير واضح، وبخطة اشتراك قد تصل إلى ١٤ أو ١٥ دولارًا في الأسبوع – أي ما يزيد على ٧٠ دولارًا في الشهر، من أجل ميزات بسيطة مثل القص واللصق في مقاطع الفيديو، أو تصفية الصور، أو تحويل النص إلى صوت، أو تحرير مستند عادي!
وبينما يعتقد البعض أن هذه الأسعار تعكس جودة عالية أو تقنيات متقدمة، تظهر الحقيقة جلية عند المقارنة: كثير من المنافسين يقدمون نفس الميزات وأفضل منها مجانًا أو بسعر رمزي يُدفع لمرة واحدة، دون إعلانات ولا اشتراكات ملتوية.
الأسوأ من كل هذا أن بعض التطبيقات لا تكتفي بالاشتراك، بل تُثقل تجربة المستخدم بالإعلانات المزعجة، وتربك واجهتها التصميمية لتدفعه دفعًا إلى النقر على زر الاشتراك – سواء أراد أم لا. حتى مصطلحات مثل "ذكاء اصطناعي" و"خوارزميات ذكية" أصبحت تُستخدم كغطاء تسويقي، لتضخيم قيمة لا وجود لها فعليًا.
ولا تكتفي هذه التطبيقات بتحقيق الأرباح، بل تسعى لاحتكار الاستخدام عبر الدفع المستمر، وتُراهن على أن المستخدم إما سينسى إلغاء الاشتراك، أو سيشعر بالإحراج من التخلي عن "ميزة" اشترك فيها، رغم أنه بالكاد يستخدمها.
نحن بحاجة إلى وعي مختلف. إلى أن ندرك أن كثيرًا من هذه الاشتراكات ما هي إلا نسخة حديثة من الاستغلال، مموهة ومزينة ومقننة، لكنها في جوهرها تستخف بالمستخدم وتستنزف رصيده دون وجه حق.
الحل ليس في مقاطعة التطبيقات، بل في اختيار الواعي منها، ومطالبة المتاجر الكبرى مثل Google Play وApp Store بوضع ضوابط أوضح، وفرض شفافية أعلى على آلية الاشتراكات، وعدم السماح للتطبيقات بأن تُخفي شروط الدفع خلف واجهات مضللة.
وأخيرًا، تبقى مسؤوليتنا كمستخدمين أن نشارك تجاربنا، ونحذر غيرنا، ونمنح تقييماتنا الحقيقية – لا نُجامل، ولا نُسكت، بل نقول بوضوح: الاشتراك مقابل لا شيء، ليس رفاهية… بل استغفال.

No comments:

Post a Comment

الاعتدال في الرأي… طريق إلى الجماهيرية الرقمية

في عصر السوشيال ميديا، حيث يتنافس الأفراد والمؤسسات على كسب أكبر عدد من المتابعين، يبرز سؤال مهم: لماذا يحظى أصحاب الآراء المعتدلة والإيجابي...