في عالم تتسارع فيه الأخبار وتتزاحم المعلومات على شاشاتنا، أصبح الوعي الإعلامي ضرورة لا رفاهية. فالأطفال والمراهقون اليوم يتعرضون يوميًا لسيل هائل من المحتوى، من مقاطع الفيديو القصيرة إلى الأخبار العاجلة والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الواقع يفرض على المؤسسات التعليمية مسؤولية إعداد جيل قادر على التمييز بين الخبر الصحيح والشائعة، وبين الرأي والمعلومة. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة لإدراج مادة التربية الإعلامية في المناهج التعليمية كخطوة استراتيجية لتحصين المجتمع فكريًا ومعرفيًا.
إن التربية الإعلامية تمنح الطلبة أدوات لفحص مصداقية المصادر، واكتشاف المحتوى المزوّر، وتحليل الرسائل الخفية في الإعلانات ووسائل الإعلام، ما يحميهم من الوقوع ضحية لحملات التضليل التي تهدد استقرار المجتمع. كما تعزز لديهم التفكير النقدي وتمكّنهم من طرح الأسئلة الصحيحة، ومقارنة المصادر، واستخلاص الاستنتاجات المبنية على الأدلة. وتفتح أمامهم المجال للإبداع عبر إنتاج محتوى إعلامي مسؤول، مما يحوّلهم من متلقين سلبيين إلى مشاركين فاعلين في الفضاء الرقمي.
ولا تقتصر أهمية هذه المادة على الجانب المعرفي فحسب، بل تمتد لترسيخ منظومة القيم المرتبطة بالمواطنة الرقمية، كاحترام الخصوصية، وتحمل المسؤولية، واستخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي. فالمجتمعات التي تدمج التربية الإعلامية في مناهجها تحصد فوائد بعيدة المدى من خلال جيل واعٍ، مثقف، قادر على مواجهة خطاب الكراهية والتطرف، وعلى المشاركة في بناء رأي عام متزن. إدراج هذه المادة في المناهج هو استثمار في مستقبل أكثر وعيًا وأمانًا، ويشكّل خطوة عملية نحو صناعة جيل يمتلك الشجاعة الفكرية والقدرة على التغيير الإيجابي.
No comments:
Post a Comment