في عصر السوشيال ميديا، حيث يتنافس الأفراد والمؤسسات على كسب أكبر عدد من المتابعين، يبرز سؤال مهم: لماذا يحظى أصحاب الآراء المعتدلة والإيجابية بجمهور واسع، بينما يتراجع حضور الحسابات ذات الخطاب المتطرف أو العدواني؟
الاعتدال يجذب القلوب والعقول
المتابع العادي يبحث غالبًا عن محتوى يضيف له قيمة، سواء من خلال معلومة مفيدة، أو طرح متوازن يبعث على الاطمئنان، أو حتى جرعة أمل في يوم مزدحم بالضغوط. الرأي المعتدل ينجح في مخاطبة شريحة أوسع من الناس، لأنه لا يستفز طرفًا ولا يثير عداوة طرف آخر. وبهذا يصبح الحساب مساحة آمنة يجد فيها المتابع نفسه دون أن يشعر بالانتماء إلى معسكر ضد آخر.
التطرف… دائرة ضيقة وسريعة الانطفاء
على النقيض، الحسابات التي تبني حضورها على خطاب متشدد – دينيًا أو اجتماعيًا أو أيديولوجيًا – تجد نفسها محصورة في دائرة ضيقة من المؤيدين. هذا النوع من المحتوى يجذب المتابع بدافع الفضول أو الانفعال، لكنه سرعان ما يرهقه بسبب النبرة العدوانية والسلبية المستمرة. كثير من المتابعين يفضلون الانسحاب بعد فترة، لأنهم يبحثون عن بيئة تفاعلية صحية لا عن ساحة صراع.
خوارزميات المنصات ليست محايدة تمامًا
لا يمكن إغفال أن المنصات الرقمية نفسها تلعب دورًا في تعزيز هذا الاتجاه. فالمحتوى المعتدل غالبًا ما يُعتبر أكثر أمانًا للعرض وأقل عرضة للشكاوى أو البلاغات. لذا تدفع به الخوارزميات بشكل أوسع، بعكس المحتوى المتطرف الذي قد يتم تقييده أو حتى حجبه في بعض الحالات.
استثناءات محدودة
صحيح أن بعض الحسابات المتشددة تنجح أحيانًا في جمع أعداد كبيرة من المتابعين، لكن ذلك غالبًا يرتبط بعوامل خارجية مثل دعم سياسي أو استغلال قضية جدلية. ومع ذلك، فإن هذا البريق لا يدوم طويلًا، لأن أساسه ليس قيمة حقيقية بقدر ما هو إثارة وقتية.
الخلاصة
الجماهيرية الرقمية لا تُبنى على الصراخ ولا على التطرف، بل على القدرة على خلق محتوى متوازن، يعكس وعيًا ويمنح المتابع قيمة حقيقية. الاعتدال في الطرح لا يعني الحياد السلبي، بل هو فن التعبير عن الرأي بقوة ووضوح، دون انزلاق إلى العداء أو الاستفزاز. وفي النهاية، ما يبقى ليس الصوت الأعلى، بل الصوت الأصدق والأكثر اتزانًا.