في زمن تتسارع فيه الشركات نحو الاستدامة، اختارت آبل أن تُظهر نفسها في ثوب المدافع عن البيئة، حين أعلنت عن قرارها المفاجئ بإلغاء الشاحن وسلك التوصيل من علبة هواتفها الجديدة، بدءًا من iPhone 12. قدمت الشركة تبريرًا يبدو إنسانيًا وأخلاقيًا للوهلة الأولى: حماية البيئة وتقليل النفايات الإلكترونية. لكن مع قليل من التأمل وكثير من التجربة، بدأت هذه الخطوة تتكشف على حقيقتها… لا حماية للبيئة فيها، بل حماية للأرباح.
لم تقم آبل بتخفيض سعر الجهاز بعد إزالة الملحقات. بل على العكس، استمر السعر في التصاعد، في حين بات المستهلك مضطرًا لشراء الشاحن والسلك بشكل منفصل، وغالبًا من نفس الشركة وبأسعار مرتفعة. وبحجة البيئة، ارتفع عدد العلب، وتعددت الشحنات، وزاد الاستهلاك بدل أن ينخفض. فأين هي الحماية؟ وأين هو التقليص؟
الخدعة الأكبر لم تكن في القرار نفسه، بل في تأثيره. آبل تملك علامة تجارية قوية، وقاعدة جماهيرية واسعة، وغالبًا ما تكون هي من يُملي القواعد على السوق. والنتيجة؟ تبعتها شركات عملاقة مثل سامسونج وشاومي وغيرها، وكلها بدأت تشطب الملحقات من العلبة، مكررة الخطاب البيئي ذاته. لكن الحقيقة أنهم لم يكونوا يقلدون آبل من باب الابتكار، بل من باب الربح. فكلما قلت التكاليف على الشركة، زادت الأرباح… ولو على حساب راحة المستهلك وحقه في منتج مكتمل.
الخطير في هذا المشهد هو تطبيع الاحتيال، حين يُقدّم للمستهلك على أنه "خدمة سامية". يُطلب منا أن نقتنع بأن شراء منتج ناقص بسعر أعلى هو خيار نبيل من أجل كوكبنا. لكن الحقيقة غير ذلك. الحقيقة أن البيئة صارت واجهة مثالية للتمويه التجاري، تُخفي خلفها قرارات لا تخدم إلا الحسابات البنكية.
المستهلك الذكي اليوم لم يعد ينطلي عليه الكلام المعسول. يدرك أن ما يُفرض عليه تحت شعار "الاستدامة" يجب أن يكون منسجمًا مع الشفافية، ومع مصلحته كطرف أساسي في المعادلة. البيئة لا تُحمى بإلغاء شاحن، بل تُحمى بإصلاحات جذرية في سلاسل الإنتاج والنقل والتدوير. أما ما تفعله الشركات اليوم، فهو إعادة تعبئة الطمع في علبة خضراء.
No comments:
Post a Comment